كتبها احمد ثروت
المشهد الأول :
احتست هيام العصير بهدوء بعد أن خرج الطبيب، لم تعتد أعصابها هذه المفاجئات القوية ، بدأ الضباب الذي كان يغلف عينيها و فكرها ينقشع ، أين خالد ؟ لقد رأته بجوار النافورة ثم رأته في غرفتها هنا
... بدأت تتذكر ، لقد كان فؤاد هنا أيضا ، ماذا حدث ؟ وما الذي أتى بفؤاد ؟... غابريلا هنا ، أهي التي أتت بفؤاد ؟ من المؤكد ذلك ، فؤاد لم يكتشف حبها التي أبقته سرا للسنة والنصف الماضية ، ولكن غابريلا قد رأت تأثرها الغريب برؤية خالد ، ولن تحتاج لكثير من الذكاء لتستنتج أن بينهما ما يريب ، يجب أن تجد تفسيرا مناسبا قبل أن تنتهي مرحلة الاطمئنان وتبدأ مرحلة الأسئلة ، ماذا تقول ؟
قالت غابريلا : " كيف أنت الآن ؟ "
قالت هيام : " بخير ، أين سمير ؟ "
قالت غابريلا : " من سمير ؟ "
قالت هيام : " الشخص الذي كان هنا منذ قليل ... أقصد عند نافورة التريفي "
قالت غابريلا : " تقصدين خالد ... شاب لطيف بالمناسبة ، هو الذي أوصلنا إلى هنا ... لكن اسمه خالد وليس سمير " أضافت العبارة الأخيرة باستنكار لطيف .
قالت هيام : " لا هذا سمير أخي " قالتها في هدوء ثم نفضت رأسها و أتبعت في تسارع " لا يمكن أن يكون أخي ، لقد توفي أخي ... ولكني رأيته ، كيف ذلك ؟ "
قالت غابريلا : " من المؤكد أنه يشبهه كثيرا "
ردت هيام بانفعال خفيف : " لكنه هو ، أيخطئ المرء أخاه ؟ "
كانت غابريلا تقف جوار النافذة بعد أن أعطتها العصير فقالت لهيام : "ها هو فؤاد و معه خالد يخرجان من الفندق إن أردت أن تريه مرة أخرى لتقطعي الشك باليقين "
حاولت هيام النهوض ولكن أحبال المرض شدتها للسرير ، همت غابريلا بأن تجلسها ولكن هيام جمعت ما في جسدها من قوة ، لا بد من أن تكمل الطريق إن أرادت ألا ينكشف ما قالته ، ونهضت ثم اتجهت إلى النافذة ، نظرت مليا في وجه خالد الذي تحفظه عن ظهر قلب ، ورسمت على وجهها علامات الاستنكار وهي تخاطب غابريلا قائلة
: " سبحان الله شبهه من سمير مش كتير "
قالتها بالعربية ولما نظرت لوجه غابريلا أعجبها ذلك الخطأ الغير مقصود ظهرت دهشتها و كأنها طبيعية ، أشارت معتذرة ثم قالت : " لا يشبه سمير أخي كثيرا ، و لكن ربما رأيت ذلك لأنه كان في بالي مع الأمنية الثانية "
ابتسمت غابريلا : " ماذا كانت الأمنية الثانية ؟"
كان بصر هيام مازال معلقا بخالد وهي تقول : " أحب أن احتفظ بها لنفسي "
قالت غابريلا : " إذن أعطيني العملة "
نظرت لها هيام باستنكار وهي تعود إلى سريرها ببطء بعد أن كان خالد غاب عن بصرها و رأت فؤاد وهو يعود إلى الفندق ثم قالت : " أي عملة ؟ "
ردت غابريلا : "لقد تمنيت الأمنية ولكنك لم تلق بالعملة ، فدعيني أكمل لكي مهمتك ، لعل أمنيتك تتحقق "
قالت هيام : " لا ترهقي نفسك ، سألقيه بنفسي فيما بعد "
قالت غابريلا : " أنا متجهة إلى هناك ، لم أحضر السيارة ، لقد أوصلنا السيد خالد "
سرت رعشة باردة في جسد هيام على ذكر اسمه ولكنها لم تبدي انفعالا بل ابتسمت وقالت : " أشكرك ، و آسف على ما سببت لك من متاعب " ثم ناولتها خمسة قروش ، فأخذتها غابريلا وغادرت لتسترجع سيارتها .
المشهد الثاني :
" آسفين على الإزعاج اللي سببناه يا أستاذ خالد ... أتمنى لو في طريقة أقدر أعبر فيها عن شكري الك " قالها فؤاد وهو يصاحب خالد مودعا .
فرد عليه خالد : " أنا اللي عملته أقل شي نقدر نعمله لبعض في الغربة كعرب ، و أتمنى يكون بينا شغل في المشروع اللي حكيتلك عنه "
قال فؤاد : " أدرس الموضوع وأرد عليك ، أي شي تطلبه مني أنا مستعد أعمله "
وصافحه بحرارة مغادرا إياه عند سيارته ، ثم التفت ليعود إلى هيام ولكنه تذكر ما كان قد قطعه هاتف غابريلا عنه فرفع هاتفه المحمول وطلب رقما أردنيا ، و من الجهة الأخرى أتاه صوت نعيم وهو يقول : " أيوة يا فؤاد بيك شو اللي صار عندك قطعت معي فجأة "
قال فؤاد بمنتهى البرود : " أتذكر إني كنت واضح جدا في موضوع الأسئلة هاي ، لكن رح احاول أذكرك مرة تانية لما أجي عمان "
ثم صمت منتظرا ردا من نعيم الذي كان منشغلا بتلك القشعريرة التي تسري من قدميه الى ظهره ، ولكنه استجمع قواه وقال بصوت يكاد يسمع : " أوامرك يا فؤاد بيك "
تنهد فؤاد بحرارة كمن يخرج ما بداخله من غضب ثم قال : " هالغباء مرض علاجه القتل " وتنهد مرة أخرى ثم أردف : " المخازن تدخل فيها البضاعة بكرة الساعة 2 الظهر ، المهم البضاعة اللي يدخلها الولد ياسين اللي شغال مع الشرطة ، بس ما تخليه يحس انك مش موجود ، عرفه إنك رح تعمل اشي تاني بس ما تحسسه إنه شي أهم ، أنا عايزه يحس إن أنا بدأت أحط ثقتي فيه ، وتابعلي ميراندا ، أنا لسه مش مطمن من ناحيتها في شي قالقني وإذا وصلت لشي ما تحكي معي عل الرقم هادا انت عارف كيف تتصل في ، بقية التفاصيل لما أجي علشان اللي واقف وراي ورامي إدنه معاي "
وأنهى المكالمة وقتل معها " زي ما تقول فؤاد بيك " التي كان نعيم يقولها على الطرف الآخر .
ثم التفت إلى مسترق السمع الذي كان خلفه والذي قال بعربية ركيكة النطق وإن كان قد حاول أن يكسبها اللهجة الأردنية : " مثل عادتك يا فواد حذر كالثعلب ، ولكن ظننت أن الثعالب يموت احساسها بتقادم الزمن "
رد فؤاد بالانجليزية ليريح متحدثه عناء الترجمة : " ليس كل الثعالب ، أنا اعتبر نفسي ثعلبا عاش وسط الذئاب ، كيف أنت يا سنيور فيتو ، أرى أن عربيتك أصبحت أفضل بكثير ، أما زلت تمارسها على الفتيات العرب هنا ؟ "
قال سنيور فيتو في زهو : "مازلت لم أجد من تستطيع مقاومتي ، لكني أفضل الجمال العربي ، أليس هذا دورك لتتعلم الايطالية ؟ "
قال فؤاد : " ليست الإيطالية ما تنقصني ... هل الشحنة معدة ؟ "
قال سنيور فيتو : " كما اتفقنا ، في الموعد الذي طلبته ستجدها داخل حدود الأردن ومن هناك فقد انتهى عملنا "
قال فؤاد : " جيد جدا ، والمبلغ المتفق علي سيصلك نصفه بعد ساعة والنصف الآخر بعد الاستلام "
ابتسم سنيور فيتو وهو يقول : " ولكن ليس طلبك المعتاد ، أتعد طعما ؟ "
رد فؤاد ابتسامته بنظرة يملؤها الخبث وهو يقول : " كعهدي بك دوما وذلك ما يعجبني فيك ، ما سافرت له قد وصل البلاد الآن ولم أتمم صفقته هنا حتى " ونظر فؤاد لساعته ثم قال : " تأخرت على زوجتي "
قال سنيور فيتو : " يعجبني أنك تقدر عائلتك ، طبعنا نحن الإيطاليين كذلك "
وتصافح الرجلان واتجه فؤاد ليطمئن على هيام التي كاد أن ينساها تماما