Monday, June 25, 2007

الحلقة الحادية عشرة \ الموسم الثاني

****

المشهد الاول

المكان: منزل داليا
الزمان: الثالثة عصرا

انهت ام حازم تنظيف المطبخ بعد ان فرغ الجميع من تناول طعام الغذاء و توجهت الى غرفة الجلوس.رأت ان زوجها قد غط في سبات عميق على اريكة غرفة الجلوس و قد غطى شخيره على صوت نانسي و هي تشخبط ..تنهدت في داخلها و هزته من كتفه

ام حازم: ابو حازم عدّل نومتك
ابو حازم وقد انتفض :ا ا شو في انا صاحي
ام حازم: شو صاحي ..شخيرك واصل اخر الحارة
ابو حازم: شخيري؟ انا ما بشخور
ام حازم: اه ..طيب ..بدي اعرف احضر اخر حلقة من المسلسل..روح نام جوا اريحلك
ابو حازم: لا كويس هون كويس
و ارتفع صوت الشخير ثانية

ام حازم و قد اعتادت هذا السيناريو اليومي.بدات بمتابعة مسلسلها ,عندما بدا الهاتف بالرنين المزعج
القطت السماعة و كانت ام سرور على الجانب الاخر

ام سرور: مرحبا ام حازم كيفك..ما اكون ازعجتك
ام حازم (شبه مستمعة لها): لا لا اهلين
ام سرور:والله يا ام حازم هدول جماعتنا اعتذروا ,ما رح يقدروا يجوا عماد اضطر يسافر طلبوه في الرياض ضروري

ام حازم الان في انتباه تام للمكالمة الهاتفية: هيك فجأة؟ ليكون يا ام سرور سبب تاني و انتي ما بدك تقولي؟؟
ام سرور: سبب تاني؟ لا و الله ام علاء خجلت تحكي معك و طلبت مني اعتذرلك شو بدو يكون السبب التاني
ام حازم: مش عارفة.انا بنتي الف مين يتمناها و اصلا انا اجبرتها تطلع و تقابلهم و هلا بتقولي هم اللي مشش جايين
ام سرور: ما حدا جاب سيرة البنت يا ام حازم بس الناس عندها ظروفها و ان شاء اله بس يرجع بيصير حكي تاني
ام حازم: لا تاني ولا تالت بنتنا مش رمية ولا مش ملاقية ..لو بدي اجوزها زمان جوزتها اجاها عرسان و هية بلمدرسة بس انا ما حبيت افشلك
ام سرور: لا تاخدي الموضوع هيك و الله يا ام حازم البنت بتجنن و انتو ناس اوادم و بتتناسبوا بس هيك صار

ابو حازم و قد انتبه من نومه و عدل جلسته مستمعا بانتباه اشار لها بيديه مهددا

ابو حازم: قوليلها ما ترجع تجيب سيرتهم مرة تانية..نحنا مش ولاد زغار

ام حازم اشارت له بيدها ليخفض صوته

ام حازم: طيب يا ام سرور حصل خير و الدنيا قسمة و نصيب
ام سرور: ما هادا اللي منقوله..و الله انا خجلانه و ب

لم تدعها ام حازم تكمل جملتها:ام سرور..ابقي خلينا نشوفك..تقطعيش الزيارة
ام سرور: و انا بقدر استغني..
ام حازم: مع السلامة
ابو حازم: شو صار..بطلوا يجوا؟
ام حازم: شو بيعرفني بالناقص..اصلا اخته مبين كتير قوية..منيح اللي اجت منهم... داليا ما كان عاجبها كل الموضوع
ابو حازم: وينها داليا؟ نايمة جوا؟
ام حازم: لسة ما اجت
ابو حازم: طيب
..
و عاد الى النوم و ارتفع الشخير
تنهدت ام حازم بحسرة هذه المرة..و قالت في نفسها: يعني اول عريس بيجي يا داليا و ما يرجع؟ شو اللي ما
عجبهم؟ ليكون مش قد المقام ؟... افففت.... راح على نص المسلسل

.......

المشهد الثاني

توقفت سيارة ميراندا امام بيت داليا...فجأة تبخر الاحساس بالفرح الذي غمر داليا عندما احست بتقدم الوقت ..تسارعت دقات قلبها عندما ايقنت انها لا محالة ستتواجه مع والديها...امسكت بهاتفها النقال و اعادته للحياة بعد ان كان مغلقا
ميراندا: شو بتعملي؟
داليا: لما طلعنا سوى فتحت الموبايل و رفعت البطارية ..و انطفى
ميراندا: ليش ؟
داليا: عشان لو حدا اتصل بيطلع لهم لا يمكن الاتصال به ما بطلع مغلق..
ميراندا: ليش كل هيك...ما فهمت
داليا: انا كل يوم برجع العصر عالبيت و هلا تاخرت و اهلي اكيد قلقانين و كان ممكن يتصلوا و انا ما بدي اقول انه طلعت....اهلي صعبين كتير يا ميراندا
ميراندا: برضة ما فهمت.انتي كنتي معي يعني ما في اشي غلط
داليا: بالنسبة الهم كل شي بتعمله البنت غلط.. شكرا كتير ميراندا على احلى طلعة طلعتها بحياتي..يالا باي باي
ميراندا: استني..يعني بفهم انك ما بتطلعي مع حسام؟
داليا: بالليل؟ لا..طبعا لأ..افت..نسيت حسام..اكيد حاول يتصل
ميراندا: حبيبتي.. ما تهتمي المهم انبسطنا ..صح؟
داليا: انبسطنا كتير..ميراندا ..انتي ....انتي كتير رائعة..تصبحي على خير
ميراندا برقة: سويت دريمز
...
فاجاتها داليا بقبلة على خدها و غادرت السيارة و تركت ورائها ميراندا مذهولة
توجهت الى منزلها و هي تهيئ نفسها لعاصفة محتملة و ترتب في رأسها ماذا ستقول..و بدأت رنة الهاتف تعلن عن وصول رسائل نصية عديدة..القت نظرة سريعة و كانت تعرف مسبقا انه حسام..لم يكن لديها الوقت لترد او حتى تقرأ الرسائل

دخلت البيت و علامات الوجل تعتليها لتفاجا بوالدها واقفا امام الباب و بالقرب منه وقفت والدتها و قد تطاير الشرر من اعينهما

ابو حازم: بكير..كان نمتي برة و رفع يده يريد ان يصفعها عندما تدخلت الام
ام حازم: استنى يا زلمة نشوف وين كانت
و توجهت بالكلام لداليا : كمان شوي كنا رح نحكي مع الشرطة. وينك لهلا و ليش تلفونك لا يمكن الاتصال به؟ وين كنتي قولي

داليا:كنت بالجامعة.بدرس بالمكتبة.هناك الاتصال ضعيف

ابو حازم : لهلا بالجامعة؟ في جامعات بتفتح باليل ؟؟ و كيف رجعتي ؟
ام حازم: و ليش ما اتصلتي انتي و قلتي بدي اتأخر
داليا : ما في معي كريديتس بالموبايل..ما قدرت احكي...و لما خلصت دراسة صاحبتي قالت لي بوصلك احسن ما اطلع بتاكسي لحالي و بعدين امها حكت معها طلبت منها غرض تجيبه انا ما قدرت اقول اشي يعني بدي اقولها لا تجيبش الغرض ووصليني؟
ام حازم: و شو هالكياس الي معك؟يعني كنتو بالسوق؟
داليا: ما هية مرت عالسوق تجيب لامها اواعي كانوا بالتصليح و انا شفت محل في اواعي و اشتريت اكم غرض
ابو حازم: و من وين جبتي المصاري؟ انتي اعطيتيها يا ام حازم؟ والله ما انا قادر الحق عليكم من وين انا بدي اضل اجيب فلوس..الله يلعن البنات و الي بيخلف بنات
ام حازم: لا اعطيتها ولا ااشي بتكون حوشت من مصروفها
ابو حازم: مصروفها؟ ما هية دايما بتشكي انه ما بكفيها مواصلات
داليا: بابا انا كان معي مصاري من وقت لعيد خبيتهم ما صرفت اشي و و وو الله ما اكن قصدي اتأخر او اخليكم تقلقوا
انا اسفة
ابو حازم: كل المصايب بتيجي مرة وحدة ..
داليا: ليش مصايب شو صار ..احكوا!!
ام حازم: اهل العريس اعتذروا ..ما راح يجوا..بطلوا

داليا و قد احست بارتياح شديد لكنها تظاهرت عكس ذلك: ليش اعتذروا؟ ليكون ما عجبت ست الحسن اخته..انا من الاول ما حبيتها
..
ام حازم: ام سرور بتقول عماد سافرطلبوه بالشغل

عندما يسمعت داليا اسم عماد تذكرت الشاب الذي اتى الى الجامعة ..تذكرت اين راته من قبل..ارادت ان تفتح فمها لتخبر والديها بما حصل لكنها توقفت في اللحظة الاخيرة..و قالت في نفسها: يعني اجا يشوفني بالجامعة ...اصلا منيح اجت منه ..كله ما عجبني..الفكرة ازعجتها كثيرا لكنها اجلت التفكير بها لان راسها الان لا يحتمل

اعتذرت من والديها مرة اخر ووعدت ان لا تكرر ما حدث و توجهت الى غرفتها

ديمة: الاتصال ضعيف بالمكتبة اه..حبيبتي هاي حركات البطارية منعرفها منيح..كنتي مع حسام
داليا: لا والله ولا شفته..اسكتي ووطي صوتك و تعالي شوفي شو اشتريت

جلست الفتاتان على السرير و بدات داليا تروي لديمة ما حصل في هذا اليوم المميز

*****


المشهد الثالث

المكان: منزل حسام

جلس حسام في غرفته و علامات القلق و التوتر بادية عليه..حاول عدة مرات الاتصال بداليا لكن هاتفها لا يمكن الاتصال به..ارسل عدة رسائل نصية لكنها لم ترد
..
فتح اللاب توب ليلهي نفسه عن التفكير ..منذ زمن طويل لم يكتب شيئا في مدونتة الحديثة نسبيا..تعجب كيف يستطيع الاخرون و بكل بساطة الكتابة عن خصوصياتهم .تمنى لو استطاع ان يضع مشاعره على الشاشة امامه فلربما استطاع ان يفهم ما يحدث بداخله
..
هل حقا كل ما يكتبه هؤلاء المدونون حقيقي ..دون زيف؟ دون تجميل للحقائق؟ هل كل هؤلاء هم بالفعل كما يبدون..رومانسيون حساسون..يهاجمون الكذب و الرياء و يدافعون عن المبادىء و الاخلاق ..ام انها ايضا اقنعة اخرى ..مغلفة بالعسل لاجتذاب المزيد من الاستحسان و التعاطف..؟؟؟ امعقول ان يكون كل هؤلاء صفوة البشرية..من غير خطيئة ولا اخطاء؟

قرا ما كتبت داليا و احس بالحنين يشده اليها ..لم يعتد منها هذا الاهمال...عاد و امسك بهاتفه الجوال و بحث عن تقارير استلام الرسائل..رسائله وصلت ..لما لم ترد؟
طيب يا داليا..بيصير خير

ضغط على زر الاتصال و سمع صوتها على الطرف الاخر

حسام و قد انتابته موجة من الغضب لم يعهدها في نفسه: في كتير اشياء بدك تفسريها

داليا: طب قول مرحبا بالاول ..مالك معصب شو في؟
حسام: وين كنتي و مع مين؟ و ليش ما بتردي عالمسجات؟
داليا: طب رووء ..انا لسة طالعة من خناقة مع اهلي مش ناقصة
حسام: و الله حلو..مش ناقصك انا؟ يعني اسكر و اقلب وجهي؟ هيك بدك
داليا: انا ما قلت هيك..طب اعطيني فرصة اقولك شو صار..
حسام: .....هيني سامع..
داليا: انا راجعة مبسوطة من برة و اهلي و نكدو علي ما تكون انت كمان هيك
حسام: راجعة من وين ..؟

داليا بحبور شديد: اما شو يا حبيبي شو انبسطت.هالبنت بتجنن..طلعنا عملنا شوبينغ....مش معقولة شو ذوقها حلو وما بهمها الاسعار...انا ما قدرت اشتري زيها..ولا العشا يا عيني عالمطعم..
حسام: استني استني..شوبينغ و عشا و مطعم..هلأ نادين من ايمتى بتطلع هيك طلعات؟
داليا: مين جاب سيرة نادين؟..انا ما كنت معها.. شو جاب سيرتها؟
حسام: ولا مين الي مبهورة فيها و طايرة طيران؟؟
داليا:ميراندا يا حسام..يا الله شو ظلمت هالبنت..هاهاهاه و قال شو... كنت اغار منها
حسام مذهولا: م مم ميراندا...انتي و ميراندا؟ مع بعض؟ مش مستوعب
داليا: انا و ميراندا كانت صحبتنا هاي هاي..يعني سلام سريع و مرة شربنا قهوة سوى..تفاجأت فيها اليوم بتقولي ياللا نطلع بدي احتفل..و انا كنت مخنوقة و مش طايقة ما صدقت ..
حسام بحذر شديد: تحتفل؟ شو قالت لك يعني.ع عن شو حكيتوا
داليا: اليوم وافقولها على شغل و حبت تحتفل معي و عزمتني

احس حسام انه لو اطال الحديث اكثر فسوف يضطر ان يشرح لداليا الكثير.
مئة سؤال دوّى في رأسه..لم يعد يسمع ما تقوله داليا
..
.يعني عجبت السيد الوالد اللي ما بعجبه العجب..ليش ما حكت معي و خبرتني؟؟ و ليش داليا؟ يعني من كل بنات الجامعة ما لقت الا داليا

داليا: و بعدين تخيل مشينا حافيين عالاسفلت و مير..حسام..انت سامعني؟
حسام و قد هدأت نبرته : اه طبعا.. طيب الحمد الله اتطمنت عليكي انا بس قلقت لما ما رديتي عالمسجز..اهلي بوكرا مسافرين على ايطاليا و لازم اروح هلا ..منحكي بوكرا..بس يسافروا.بتقدري تطلعي اشوفك؟
داليا: بوكرا الجمعة و بعد اللي صار اليوم ما بعرف اذا بقدر اطلع ..بس بشوف
حسام: اوكي حبيبي ...موا..باي
داليا: باي حياتي
حسام: ما في موا
داليا: حسااااام..بلا بياخة..ياللا باي

لم يخبر حسام داليا ان ميراندا ستعمل في شركة والده..لا يدري لماذا تعمد الا يخبرها..مشاعره نحو داليا لم تتغير بلعكس فلقد اصبحت اقوى ..لكنه لم يعلم سببا لتصرفاته الاخيرة مع ميراندا ...ميراندا.لغز محير.من اين اتت بالنقود و قد اخبرته انها على حافة الافلاس

خرج من غرفته ..احس بالاختناق و بحث عن والدته..وجدها جالسة امام الكومبيوتر و قد بدت كأنها في عالم اخر..اقترب منها و احاطها بذراعيه

حسام: شو يا حلو.. لسة ما لقيتي المحلات اللي بدك ياها

هيام وقد انتفضت من مكانها..:نئزتني..ما تعمل هيك مرة تانية

ابتعد عنها حسام بسرعة و قد فاجأه رد فعلها

حسام: مالك ماما ؟؟ ليش عصبتي؟؟..انا بحكي معك عادي انتي يمكن كنتي سرحانة
هيام: اسفة ماما مش قصدي بس ما حسيت فيك و انت جاي عالغرفة

لفت نظره نافذة محادثة تضيء و تومض

حسام: شو يا... من ابمتى بتعملي تشات؟ و مع مين
هيام:ا ا انا ..هاي صاحبتي .بتتعلم عالانترنت و حبت تجرب التشات..و انا بساعدها
حسام: ..سلمي لي على صاحبتك ..ولع المسنجر يا هيام الحقي..
هيام: سيبك انت من هالحكي.شو كان بدك مني
حسام: طالع مع الشباب اشوف امجد اجا من اميركا ..ما بتأخر برجع بلاقيكي صاحية..بدي اشوفك قبل السفر
هيام: اوكي حبيبي ..دير بالك الليلة الخميس و الناس كلها بالشوارع

غادر حسام غرفة الجلوس و عادت هيام الى شاشتها و كتبت

هيام: مش ضروري اخد رقم من هناك معي موبايلي و بس اوصل بيصير جوال...ببعتلك مسج..بس ما رح اقدر احكي..هلا لازم اروح...
****

المشهد الرابع

انطلق حسام بسيارته و اذ به يسمع رنين هاتفه النقال
..
حسام: اه ابو الشباب وينكم
فيصل: بتقدر تمر علينا؟سيارتي ما عم تشتغل
حسام :ماشي ..امجد عندك؟
فيصل: امجد من الضهر عندي تغدينا سوى

غير حسام طريقه و عاد متجها الى بيت فيصل ,لكنه لم يتوقف عن التفكير لحظة بكل السيناريوهات التي ستحدث لاحقا..الكثير يشغل باله...داليا..ميراندا..عملها مع والده..ترك امر المواجهة لحين حدوثها...ربما لم تخبر ميراندا داليا بما حصل فلما يستبق الاحداث؟؟

وصل الى منزل فيصل فوجده في الشارع واقفا مع امجد..نزل من سيارته و اتجه نحوهما و عانق امجد عناقا حارا

حسام: حبيبي ابو المجد ولك اشتقتلك ..طولت الغيبة يا رجل

امجد: شو نعمل هيك الدراسة..ما صحلي اجي بالشتا ..اشتقتلكم و اشتقت للعمان و طلعاتنا ..اه وين ناويين تسهروني؟
فيصل: انت اطلع بالسيارة و بتعرف بس نوصل ..عمان تغيرت كتير السنة وفي محلات جديدة

استقل الثلاثة السيارة وادار حسام المحرك و لم يتوقفوا عن الحديث و الضحك..فكرة الخروج الليلة بالذات كانت ممتازة فقد ازاحت الكثير عن كاهل حسام المثقل بالهموم

وقفت السيارة على اشارة ضوئية بينما كان أمجد منطلقاً يتحدث
أمجد: ... و هيك كل ما بدخل مطار باتفتش عشوائياً، ما كنت باظن إنه هيك إسم بــ
..
و قطع عبارته و هو يحدق من النافذة في شرود إلى تلك السيارة الصغيرة التي انبعثت منها أنغام إحدى جنائزيات موزارت بصخب و هو يردف بشرود

امجد: معقولة؟ هاي... شو جابها هون؟

نظر حسام و فيصل باتجاه السيارة الصغيرة التي تتقدمهم
..
فيصل: مش هاي البنت اللي معنا بالجامعة..الاسبانية
حسام وقد علت وجهه الدهشة : اه هية....ميراندا

امجد: ميراندا؟ يمكن انا غلطان..في وحدة كانت بسياتل لما زرت ابن عمي كانوا يحكوا عنها بس اسمها كان غير..شفتها اكم مرة بتشبه هاي كتير

حسام: مالها يعني؟
امجد: مش متزكر بالزبط بس بعد ما شفتها قالوا انها اختفت بظروف غامضة..انقلبت الدنيا عليها و طلعت مية اشاعة انها سي اي اية و انها مع المافيا و ناس قالوا انقتلت و ناس قالو الاف بي اي خبوها..اكيد انا غلطان شو بدو يجيبها هون

حسام: لا اكيد مش هية...هاي بنت مسكينة بتدرس هون

تغير لون الضوء الى الاخضر و اتجهت سيارة ميراندا الى يسار الطريق فيما تابع حسام طريقه الى مكانهم المنشود، و أمجد يكمل حديثه ببراءة

أمجد: نسيت ااقولكم.. اخدت شقة جديدة بكاليفورنيا إنما اشي غير شكل.. لازم تيجوا تزرورني يوم بس قبل العرس
حسام: شوعرس ما عرس؟؟؟
أمجد: هلا ما وصلك إيميلي؟
حسام: ما وصلني شي
أمجد: أنا رح اتجوزعن قريب
حسام بفرح: ألف مبروك
أمجد: الله يبارك فيك و عقبالك انت و داليا

جعلته الجملة الأخيرة يشرد كثيراً و هو ينحرف بالسيارة و ابتسامة باهتة تزحف على وجهه، و تساءل بشغف في قلبه

امتى بيجي هادا اليوم؟

Monday, June 18, 2007

الحلقة العاشرة \ الموسم الثاني

المشهد الاول
فتحت (ميراندا) عينيها قبيل شروق شمس ذاك الصباح بابتسامة بلهاء واسعة، و قد توردت وجنتاها على نحو ملحوظ. بقيت مستلقية هنيهة تحملق في السقف الأجرد و كأنها تجتر ذكرى ممتعة، ثم تنهدت بعمق قبل أن تتكور على نفسها و تنسال من فوق السرير ككرة من النباتات الصحراوية تدفعها الرياح برقة. أزاحت الستائر ببطء و هي تتطلع إلى المدينة الناعسة و الشوارع الشاغرة تقريباً من المارة، و تركت ابتسامتها تستلقي في دعة على ركن شفتيها و هي تتدبر المشهد قبل أن تهمس:

"سيكون يوماً رائعاً !"

أعدت لنفسها حماماً معطراً و انهمكت في تدليل نفسها تماماً طوال ساعة كاملة قضتها تستمع لروائع (موزارت) و هي تعد نفسها لذلك اليوم الحافل الذي يبدأ بعد سويعات. اليوم تحصل على تلك الوظيفة التي سوف تسهل لها الكثير أثناء إقامتها بعمان. لم يكن لديها الكثير من الشكوك حول حصولها على تلك الوظيفة، تعلمت منذ وقت طويل أن المقابلات الشخصية للعمل لعبة مسلية لها قواعد، و أن عليها أن تدير هي المقابلة و تتعامل من منطلق المطلوب لا الطالب
تعلمت أن لكل شخصية مفتاح، طالما امتلكته فقد امتلكت صاحب الشخصية، و قد تعودت منذ حداثتها ألا تفقد مفتاحاً واحداً و هي تجمعهم واحداً تلو الآخر. و اليوم تثبت للمرة الألف لنفسها نمطية الآخرين و سهولة توقعهم
انسلت خارجة من الحمام مرتدية روباً منزلياً أنيقاً. جلست أمام المرآة تتطلع إلى وجهها بعناية و قد تشربت الكثير من الماء حتى بدت نضرة على نحو مبالغ فيه. اخذت تعبث بشعرها يمنة و يسرة في شيء من الشرود، ثم التقطت هاتفها المحمول بعفوية و جرت أصابعها عليه بسرعة قبل أن تتوقف و تلقيه بلا مبالاة و هي تفكر

"مازال الوقت مبكراً "

قامت تعد إفطاراً بسيطاً و جلست أمام الحاسوب و هي تأكل في بطء ثم فتحت أحد الملفات الضخمة و هي تتطلع إليه برضا قبل أن تشبك طابعتها الصغيرة بالحاسوب و تتركه ينقل كل ما بالملف على الورق بتأني
.
التقطت هاتفها مرة أخرى و اتصلت بـ(حسام) ، و استلقت على الأريكة تستمع لصوت الرنين الرتيب على الجانب الآخر قبل أن يأتيها صوت نصف نائم

"مين؟"
" صباح الخير (حسام) "
"صباح؟ ايش هادا؟ ايش في؟ و مين بيحكي ؟ "
"
معقول كل هادا نوم؟ و كمان ما عرفت صوتي؟ أنا (ميراندا) يا (حسام) و كان بيناتنا معاد اليوم "
" أووه ... صباح الخير (ميراندا) آه طبعاً ليش اديش الساعة هلأ.؟ "
" الثامنة إلا الربع بتوقيت عمان"

سمعت قهقة مكتومة على الجانب الآخر قبل أن يرد

" طيب بنتقابل كمان ساعتين "
"ساعتين؟ منيح.. يادوب. وين؟ "
"بمر آخدك "
"لا بقابلك بره. حدد المكان "

حدد لها المكان بعمان الغربية، ثم أنهت المحادثة معه بلطف قبل أن تستدير مواجهة دولاب ثيابها بابتسامة عابثة. و فتحت فمها هذه المرة لتتحدث لغتها السادسة
*
المشهد الثاني

وقف (حسام) بردهة المنزل يحاول جاهداً طرد النوم الذي مازال يقاتل للتعلق بأجفانه الباسلة. و أخذ يتعجب من نشاط هذه الـ(ميراندا) و ما إذا كانت تنام كالبشر. فتح عينيه نصف فتحة متفادياً النور المنبعث من النافذة الكبيرة، فلمح خيالات تتحرك و ما لبث أن تبين أنها أمه

"صباح الخير (هيام)"
" يسعدلي ها الصباح. ما إلك بالعادة، مبكر اليوم"
" وين بابا؟ "
" طلع بكير، بده يخلص شوية شغل قبل ها السفرية "
" طيب، شو عاملة الفطور"
" سوي فطورك لحالك، أنا مشغولة كتير، بتلاقي اللي بدك اياة في الثلاجة"

ارتسمت علامات الامتعاض على وجه (حسام) و هو يجرجر ساقيه بتثاقل ليتهيأ للخروج. أخذه الأمر ما يربو على الساعة حتى يلملم شتات عقله و يخرج من المنزل.
انطلق بالسيارة شارداً حتى وصل لمكان اللقاء، و هناك ترجل و اتكأ على السيارة في تراخ ناعس. تطلع إلى ساعة يده و اكتشف أنه قد وصل في ميعاده تماماً، و لم يكد يرفع عينيه حتى رأى سيارة (ميراندا) تقترب بتؤدة قبل أن تتوقف عبر الشارع، و تخرج منها (ميراندا) متلفتة حولها

و استيقظت جميع خلاياه دفعة واحدة، حتى أنها أطلقت ألماً صارخاً في مؤخرة عنقه جعل فكه السفلى تتدلي ببلاهة مضحكة و هو يحملق في هذا الشيء الذي يلوِّح له عبر الشارع

لم تعقص شعرها ببساطة كعادتها تلك المرة، تركته ينسدل في دعة على كتفيها، و ارتدت معطفاً أبيضاً عملياً و تنورة بيضاء تكشف لأول مرة ساقيها الرياضيتين، و قميصاً أسوداً ذا ياقة عريضة مفتوحة حتى بداية الصدر. وقفت ترمقه من خلف منظارها الشمسي الأنيق و هو يحاول أن يتمالك نفسه. لم تكن تبدو فاتنة فقط هذه المرة، بدت مهيبة بشكل ما. مهيبة و مهددة

عبر الشارع بسرعة مسلماً عليها ثم اقتادها إلى بناية قريبة حيث تقع شركة والده. وقفا في المصعد جنبا إلى جنب في رحلة علوية تضيق لها الصدور. و ما لبثا أن دلفا إلى المكتب المنعزل. حيث يجلس ذلك الكاتب الفرعوني المظهر راسخاً. طلب منه (حسام) أن يخبر والده بمقدمه و ضيفته، فهب الرجل واقفاً و دلف إلى مكتب (فؤاد) ثم غاب بالداخل

" يعني ما قلتلي إنه والدك! "
" بتفرق معك؟ "

رمقته بنظرة جانبية صامتة و هي تتفحص المكتب المقبض في هدوء. بدت في راحة نفسية و سكينة عجيبتين مع المكان ،كانت تتذوق صاحب المكتب بعينيها قبل أن تراه، على عكس (حسام) الذي بدأ يتململ بفراغ صبر قبل أن يخرج التمثال البشري من المكتب مومئاً لهم بالدخول

دلفا إلى المكتب بهدوء، و اتجه حسام مباشرة إلى أبيه الذى بدا منشغلا بقراءة بعض الأوراق. رفع (فؤاد) عينيه ببشاشة يسلم على (حسام) و هو يرمق تلك الوافدة بريبة، و ما لبث (حسام) أن قدمهما لبعض ثم جلس الجمع حول المكتب الصغير

منذ اللحظة الأولى التي ولجت فيها المكتب التقطت (ميراندا) مفاتيح الرجل ببراعة تحسد عليها. علمت أن قواعد اللعبة مع صاحب هذا المكتب ستختلف كثيراً. الرجل لا يبدو مهتماً بإبهار النساء على الإطلاق. له مساعد يبدو كأصنام حضارات الأزتيك، و منذ اللحظة التي وضعت عينها على الرجل بصلعته الفسيحة و عينيه الماكرتين الحذرتين علمت أنها ستكون لعبة ثعالب.
جعلتها هذه الخاطرة الأخيرة تتبسم في جذل واضح، راق لـ(فؤاد) كثيراً. أغرقا بعضهما البعض بنظرات مسبارية كالرصاص كل منهما يتحسس الأخر و يتشممه كثعالب الصحراء

- " (ميراندا)؟ (حسام) عم بيقول انك مغتربة؟ من وين انتي؟"
- " بتقدر تقول من اسبانيا."
- "بقدر اقول؟"
" أيوة، متل ما مكتوب بالسي في تبعي"
" و شو عم تعملي بعمان "

تبسمت بجذل و هي تجيب

"باتفرج"

انطلق فؤاد مقهقهاً و قد راقته روح التحدي في نبرة صوتها.
" بتعرفي لغات؟ "
قاطعها (حسام) متحمساً :
" بتعرف كتير..."

حدجته بنظرة لائمة مستنكرة، و رمقه أبوه بعصبية ، فشعر بوحدة مطبقة، و تمنى لو أنه لم ينطق. بدا كما لو كان طفلاً يقاطع مباراة شطرنج بين اسطورتين دوليتين. حاول نفض الحرج عنه بضحكة ندت منه عصبية متوترة قبل أن ينهض قائلاً

" أ.. انا شايف انه اترككم تكملوا كلامكم و انا عندي محاضرات"
" طيب ، دير بالك ع حالك"
"سلام"

انطلق (حسام) مغادراً المكتب كعادة معظم من دخلوه، شاعراً بالراحة لمجرد استنشاقه الهواء النقي. بينما عادت (ميراندا) تحدج (فؤاد) بنفس النظرات المسبارية باحثة عما يخفي خلف هذا القناع المتهالك الذي يحمله و الذي لم ينجح قط في إخفاء عينيه الشيطانيتين
" كنا بنقول؟ "
" كنا بنقول اللغات مو هيه المشكلة"
"همم.. و شهادات الخبرة؟
"

مدت يدها إلى حقيبتها السوداء و أخرجت ملفاً ضخماً تركته يلطم سطح المكتب بعنف و هي تردف
" ولا هيك برضه مشكلة"

امتدت يده تتصفح الملف الضخم الذي يحمل شعارات العديد من الشركات و الدورات و ارتفع حاجباه في دهشة ممزوجة بالسخرية قبل أن يرفع عينيه ثانية قائلا

" شكلها مبهر.. شبكة علاقاتك... بس كيف باعرف إنه كل الشهادات صحيحة؟ "
" بتقدر تتصل بكل المصادر، أنا ممكن استنى
"

قالتها و هي تتراخى في الكرسي و ترسم على شفتيها واحدة من أكثر ابتساماتها تحدياً و استفزازاً.

قام (فؤاد) من مقعده متوجها إلى النافذة الضخمة بمكتبه كعادته كلما راودته فكرة أصلية. ثم استدار بمسرحية قديرة و هو يردف بحزم و باسبانية قحة

" انك تروقنني كثيراً، لن أخفي هذا. تروقني تلك الثقة. لن أتصل بأحد"

دار حول المكتب بتؤدة و هو يجتذب غليونه و يفتح علبة من السيجار الفاخر قبل أن يجلس قبلها و يبدأ في إشعال غليونه ببطء و تأمل. ثم سأل بغير اكتراث :

" لم تكوني لتقبلي سيجاراً أليس كذلك؟ "
" لا. قد بدأت تفهمني فيما يبدو"
" و ماذا عن (حسام)؟ "

اطلقت ضحكة ساخرة

"ماذا عنه؟"

" أنا لا أحب أن تختلط المسائل الشخصية بالعمل."
" (حسام) لم يكن أبداً مسألة شخصية. "
" و متى تبدأين العمل"
" الأمر متوقف عليك ، قد أبدأ غداَ، أو العام القادم. المسألة تتوقف على بكم ستضحي لتحصل على مساعدة مثلي."

أطلق ضحكة مبتسرة

" كم تريدين"
" همم .. كل شيء"
" و ماذا تعطينني في مقابل كل شيء؟ "
" كل شيء."
" شراكة؟ "
" لا، قد تستيقظ يوماً ما ولا تجدني."
" لا يوحي هذا بالثقة"
" عرف الثقة! "

انفجر ضاحكا بشيطانية فريدة و هو يلوح بإصبعه في جذل

" تروقينني... تروقينني كثيراً.... يمكنك البدء باكراً، سأسافر لبضعة أيام و ستديرين المكتب بالنيابة حتى أعود ثم نتفق على التفاصيل."

رسمت ابتسامة ديبلوماسية عريضة على وجهها و هي تصافحه بقوة قبل أن تنصرف بثقة و عيناه تلمعان بشدة حتى كادتا تضيئان الحجرة

ثم خبت ابتسامته شيئأ فشيئأ و هو يتلقط سماعة هاتفه و يتصل بمساعده

" هاتلي (نعيم).... حالاً"
" أوامرك (فؤاد) بيك
"
****
المشهد الثالث

جلست (داليا) بأحد مقاهي الإنترنت تدعب اللوحة العاصية بأصابعها في تؤدة و صبر و هي تقضي وقت فراغها بين المحاضرات بتصفح مدونتها الأثيرة و تفقد أخبار أصدقائها.
أسرعت إلى مدونة (رنا) لتفقد أخبار اجتماع المدونين، و وجدت حماساً من الكثيرين، غير أنه لم يتحدد موعد أو شكل للقاء. عادت أدراجها إلى مدونتها تتأملها بتمعن قبل أن تلحظ ذلك التعليق اللطيف المذيل بـ( د. إيتش). ارتفع حاجباها قبل أن ينعقدا بتشكك و هي تقرأه ثانية و ثالثة. و تساءلت لم تشعر شعوراً غامضاً أن هذا يبدو مألوفاً. قبل أن تنفض الفكرة عن رأسها و تنطلق تطبع بعفوية شديدة و كأنها تحادث صديقاً قديماً:

" هو إنسان طيب المعشر، ميسور الحال، حسن المظهر و المخبر. يشعرني أنني ملكة متوجة، و يكفي أنه أسر قلبي من أول يوم
".

ثم أدخلت التعليق. و توقفت تنظر إليه مجدداً قبل أن تعض شفتها السفلى و كأنها تذكرت شيئأً مهماً

" شو هادا اللي سويتيه؟ هادا مو وصف عشاق، هادا أقرب لإعلان زواج بمجلة مملة، يالك من نمطية! "
و أسرعت تحذف تعليقها و تتراجع بكرسيها للخلف و هي تمعن التفكير قبل أن تتفتق قريحتها عن خاطرة عنّت لها بعفوية مماثلة للأولى، غير أنها بدت أكثر أناقة و تعبيراً عما يجيش بصدرها من مشاعر. و أسرعت تفتح صفحة تدوينة جديدة و تخط كلماتها ببطء شديد و تروٍ
" ويح المُسائل عن طيف الذي ملك الجنان و خلب لب الروح
كيف الجواب بمن دُرَّتيَّ و مهجتي من فرط حبه قد ملئن قروح
يا سائلي عن فارسي هيهات كلمات موات تسطرن جُلَّ جموحه
رجل إذا ماد الزمان بمهجته حمل الزمان فدك طود صروحه
يا حيرتي فـ..."

انطلق هاتفها المحمول في تلك اللحظة قاطعاً حبل أفكارها، حتى أنها سمعت لها صوتا يدوي و هي تسقط داخل رأسها كأنه زجاج يتهشم. التقطت الهاتف بترقب و هي تتطلع إلى رقم الطالب قبل أن ينعقد حاجباها بشدة و هي تقرأ اسم (ميراندا) على شاشته الصغيرة. أسرعت تجيب المكالمة و أتاها صوت (ميراندا) رائقاً مرحاً من على الطرف الآخر:

" (داليا) مسا الخير لعيونك "
"مسا النور (ميراندا) كيفك؟ "
" سعيدة يا (داليا)... سعيدة اليوم عن جد، و بدي احتفل ... شو رأيك؟ منطلع ها المسا سهرة بناتي؟"
" نطلع ها المسا؟ مــ.."
" بوعدك هتنبسطي. شو؟ عمرك ما طلعتي جيرلز نايت آوت؟ "
- "طلعت بـ.."
" don’t be a buzz killer! خلص انا. بمر عليكي و مننزل نعمل شوبينج و بعدين بفرجيك اللي عمرك ما شوفتيه"
ثم انطلقت تقهقه بصوت صحو رائق بعث الكثير من الطمأنينة في قلب (داليا) قبل أن تسأل:
" طيب و امتى استناكي؟ وين؟"
- " وين انتي؟"
" إنترنت كافيه اللي جنب الجامعة "
" هلا بكون عندكً"

ثم أغلقت الهاتف بدون تردد

بقيت (داليا) شاردة لحظات تحملق في الهاتف بتعجب قبل أن تهز كتفيها بلا مبالاة و تعود لتنهمك بصفحتها، و عادت تنهمر أفكارها بغزارة هذه المرة، حتى أنها تعجبت من أثر المكالمة على انطلاق لسانها في الوصف

" بكفي هيك، باحفظها مسودة و بس ارجع عالبيت بعدلهاا"

و ارتسمت على شفتيها ابتسامة راضية
*****
المشهد الرابع

دلف (نعيم) ببطء إلى المكتب الذي سيظل يكرهه ما بقى له من عمر و هو لا يكاد بجرؤ على رفع عينيه إلى (فؤاد) الذي انهمك في محادثة هاتفية بدت مهمة

" تقرير مفصل؟ امتى بيوصلني؟"
" ...."
" منيح... سلام "

استرخى (فؤاد) في مقعده الوثير و هو يرمق (نعيم) بنظرة ذات مغزى اقترب عن أثرها (نعيم) أكثر و أكثر حتى جلس أمام المكتب صامتاً كالقبر، متحفزاً كالذبابة

" قوللي (نعيم) بتعرف واحدة اسمها (ميراندا)؟ "

اصفر وجه (نعيم) بغتة و علاه عرق بارد، و هو يحوقل و يستعتب في قلبه و يتساءل من أين للرجل أن يعرف عن تلك الفتاة، و ما إذا كان يعلم أنه يحمل صوراً لها بين أيدي ابنه الوحيد على هاتفه المحمول. تبلع غصة وهمية في حلقه الجاف و هو يومئ برأسه بالإيجاب
" بتجيبلي تقرير مفصل عن حياتها اليومية، مع مين بتقعد؟ وين بتروح كل يوم؟ كم شقة بتمتلك؟ قد ايش بتستهلك بنزين بالسيارة؟ كل شي، فاهمني؟"

" بتعرف إنها بتشوف (حسام) بالجامعة؟ و انهم يعني..." و أكمل عبارته بغمزة عين و ابتسامة لزجة
لم تكد تتكون على وجهه حتى ماتت و احترقت إلى الأبد بعد ان وقعت عليه تلك النظرة القاسية التي أطلت من عيني (فؤاد).

" أنا بقول تقرير مفصل يا (نعيم). مالك؟ اذانك سكروا؟ بتحب نسلكهم؟"

امتقع وجه (نعيم) فبدا كحبات الليمون الذابلة و هو يرمق (فؤاد) برعب محيق قبل أن يستدرك الأخير:

" اتركلي انتا موضوع (حسام) هادا، و نفذ اللي أمرتك فيه. تقرير مفصل عن كل همسة و حركة و نفس. لو بتقدر تعرف نوع الشامبو تبعها سجله. تقرير يومي كامل طوال فترة سفري. فهمت؟"
"فهمت (فؤاد) بيك"

" شي أخير... هيه رح تدير المكتب أثناء سفري. لو شافتك هون..." ثم تحولت سحنته على نحو عجيب و هو يكمل " مش راح تشوفك بعدها أبداً"

" تدير المكـ.."
قطع (نعيم) سؤاله بسرعة قبل أن يزل مرة أخرى و تصبح رقبته في الميزان، ثم أومأ أن كل شيء سوف يكون على ما يرام.

صرفه (فؤاد) بتقزز و هو يدور بكرسيه مواجها الهاتف حيث التقط السماعة بسرعة و أدار رقماً طويلاً ثم انتظر قليلاً حتى استمع إلى رد الطرف الآخر بلكنة شرق أوروبية مؤلمة للآذان

"عندي شخصية بدي استوثق من أوراقها، و على وجه السرعة للضرورة القصوى"
" ابعث بالأوراق على الفاكس، و الرد بيكون جاهز خلال أربعة و عشرين ساعة، مقابل المبلغ المعتاد"
" الأوراق في الطريق. شكراً مقدماً"
" شكراً لتعاملكم معنا"

وضع (فؤاد) السماعة بسكينة و قد علاه رضاً مباغت عن نفسه و هو يستنشق دخان غليونه بعمق مرسلاً كرات ملتهبة من الدخان الأبيض إلى سقف الغرفة المرتفع

" هيك بنكون عرفنا أصلك و فصلك، باقي نعرف إيش جابك؟ و مين وراكي؟"

و انطلقت أصابعه تضغط زر الاتصال بمساعده الأليف في مهمة أخيرة.
*****
المشهد الخامس

انطلقت الفتاتان بسرعة في سيارة (ميراندا) الصغيرة تخترقان شوارع عمان بسرعة و خفة، و هما تتنقلان بين المتاجر المختلفة و تتبادلان حديثاً طويلاً صافياً، لا يشوبه إلا قهقهة الفتيات المعتادة
.
انبهرت (داليا) بطيب معشر (ميراندا) و حلو حديثها. وجدتها خفيفة الظل إلى حد بعيد، تمتلك ذوقاً راقياً جداً في العطور و الثياب، كانت ترتدي ثوباً رائعاً جعلها تبدو كالأميرات، حتى أن (داليا) نزلت على كل آرائها في مشترواتها.
****
المشهد السادس
جلست (داليا) شاردة حول طاولة الطعام بأحد المطاعم الهادئة بأطراف البلدة تسترجع ما حدث منذ التقت (ميراندا) منذ عدة ساعات، و ما فتئت تجد نفسها متلبسة بابتسامة بلهاء بين الفينة و الأخرى و هي تتذكر موقفاً مسلياً، أو جملة ساخرة ألقتها (ميراندا) على مسامعها بينما كانتا تتسوقان
.
اعترفت بينها و بين نفسها أنها لم تقابل الكثيرين ممن يتحلون بتلك السخرية اللاذعة، و تلك الروح المرحة. لم تتمالك نفسها من الضحك عندما بدأت (ميراندا) تقلد هذا الرجل الغريب الذي كان بصحبة الدكتور (علي


رأتها مقبلة من بعيد، تخطو بتؤدة و كأنها تربت على الأرض بساقيها الطويلتين. و تعجبت كيف تبدو مختلفة كثيراً عما تبدو عليه في الجامعة نهاراً. بدت متفردةً للغاية و الشمس تشرق في جبينها عندما أرسلت تلك الابتسامة الفاتنة إلى (داليا) حالما رأتها. ابتسامة معدية على نحو ما، جعلت (داليا) تتبسم هي الأخرى و هي تلوّح ببراءة
.
" كنت مفكرة المطعم هون بقدم خدمة أفضل. تصوري ما عِنْدهم فرقة موسيقية خاصة! "
" و شو نسوي بفرقة موسيقية." ردت (داليا) باستغراب.
تبسمت (ميراندا) و هي تعبث بكأسها في شرود:
" فكرة خطرت ع بالي. "
ثم رَنَت إلى (داليا) بسعادة مردفة " الليلة أنا بقدر أرقص بلا موسيقى ع العموم"
" لها الدرجة؟ يا ترى شو حصل اليوم بخليكي تقدري ترقصي بلا موسيقى؟ "

حدقت إليها هنيهة قبل أن ترد

" فرصة.. ياللي حصل اليوم فرصة و انا اغتنمتها منيح. فرصة راح تخليني ابقى بالأردن كيف ما بدي، و بخليكي تملّي مني"
تبسمت (داليا) قائلة:
" صعب "
" عن جد؟ "

بدأت (داليا) تعبث ببقايا الطعام في صحنها و هي تجيب
" بعد طلعتنا اليوم، خليني قوللك إنه صارلي سنين ما حسيت بها الانطلاق و الخصوصية ياللي حسيتهم اليوم. و بعتقد إنه الصحبة ساعدتني كتير. أنا استمتعت عن جد اليوم يا (ميراندا) "

ارتشفت (ميراندا) القليل من كأسها في صمت ، ثم هبت واقفة بغتة و هي تبتسم في سعادة:

" يللا قومي نتمشى شوي"
" على وين؟"

اجتذبتها من كفها برفق و هي تلقى برزمة من الأوراق المالية على الطاولة و تجيب بضحكة صافية :

" ما باعرف... "

نهضت (داليا) تتبعها كالمسحورة من أثر ذلك الشعور العجيب بالطمأنينة التي بعثته فيها تلك الضحكة. هبطتا السلم بسرعة قبل أن تتوقف (ميراندا) لحظات تتشمم فيهن عبق الليل الأصيل باستمتاع بادٍ على ملامحها و هي تغمض عينيها بقوة و تتمطأ.

" آآه... بتعرفي يا (داليا)، بكل المدن اللي عيشت فيها، ما بتقدري تعرفي المدينة عن جد إلا بعد ما تمشي فيها بالليل"
" بالليل بس؟"

" إي.. شوفي... بالنهار المدينة دايما لابسة اقنعة، طبقات فوق طبقات، و النور بيعمي العيون، ما حدا بيعرف الحقيقة. المدينة متل أي واحدة ست، ما بتعرفيها إلا إذا شوفتيها بالليل، بحجرة نومها، بتعمل ما بدها من دون التزامات
."

حاولت (داليا) أن تتبين مغزى الكلام و هي تسير بمحاذاة (ميراندا) في الشارع الذي بدا فارغاً أو يكاد ،فمدت عنقها إلى الأمام تتشمم هواء الليل، فلم تجد شيئا مختلفاً، مجرد هواء بارد منعش
.
رمقتها (ميراندا) بنظرة جانبية و هي تضحك في غموض. عقدت (داليا) حاجبيها و هي تلحظ ضحكة صديقتها الجديدة متسائلة:" شو بضحك؟ أوكي قوليلي عن عمان طالما بتدعي إنك بتعرفي المدن بالليل! "

توقفت (ميراندا) عن السير و هي تجيب

" انتظري..."

ثم انحنت على ساقيها تنزع حذائيها بروية، ثم تلمست الأرض بقدميها العاريتين و كأنها تتثبت من وجودها، قبل أن تنحني على الأرض و تجمع حفنة صغيرة من التراب في كفها ثم نهضت تتشممها و هي تبتسم

"شو عم تعملي؟"

" المدن يا عزيزتي بتعرفيها من أرضها. بتعرفي تراب الأسفلت. الأسفلت بيتحدث، للي بيسمع."

اطلقت (داليا) ضحكة قصيرة و هي تقول :" و شو قاللك الأسفلت عن عمان"

بدأت (ميراندا) تسير بظهرها مواجهة (داليا) و هي تتحدث قائلة :

فيه مدن غريبة مغتربة، عمان ماهي منهم. هاي مدينة وطن. مدينتك أقرب للسماء... ها التراب قديم و خليط. تراب نادر، و مهم. بس مدينتك فيها كتير زيف... كتير ادعاء... هاي بتصير مدينة أحزان في يوم"
مدينة أحزان ؟"
" هاي قدر كل مدينة وطن بتصير هيك يوم... بس يوم"
"مين علمك كل هيك ؟" تساءلت (داليا) بانبهار

غجرية ... زمان و انا زغيرة..." ثم أردفت بابتسامة عابثة " و بعض كتب التاريخ المملة."

انفجرتا تضحكان بعبث لتلك الخاطرة الأخيرة، قبل أن تبدو علامات الجذل على وجه (ميراندا) و هي تسأل: بتحبي أعلمك؟"
شو؟"
كلام تراب الأسفلت
"
أومأت (داليا) أن نعم، فانحت (ميراندا) على قدميها تخلع عنهما الحذائين و هي ترنوا إليها بضحكة مريحة. و ما إن لامست قدمي (داليا) العاريتين الأسفلت البارد حتى سرت في جسدها قشعريرة لاذعة منعشة تسلقت ظهرها من أخمص قدميها حتى مؤخرة عنقها مما جعلها تطلق ضحكة طفولية مرحة و هي تغرس قدميها أكثر بالأسفلت البارد
عادت (ميراندا) تسير بظهرها مواجهة (داليا) و انطلقت تقص عليها حكايات تراب المدن التي عهدتها.
و (داليا) تستمع ولا تسأم أو تمل. كانت تسير و عيناها لا تفارقان عيني تلك الوافدة المريحة، لم تشعر بتلك المشاعر منذ أجل بعيد، و كأن الدنيا كلها تحتفي بوجودها، و كأن الأرض تنتظر خطوتها القادمة بفارغ الصبر لتتبسم.
و شملها ذلك الشعور كلي الوجود أنها تقابل شخصاً قد افتقدته لزمن طويل. شخصاً بقي حبيساً منذ أصبحت لا تستطيع أن تسير حافية و ترفع يديها إلى السماء بلا وجل، بلا أعباء أو ثقل. و ها هي ذي تفعلها ثانية، تتسمع أقصوصات المدن البعيدة على نغمات صوت عذب يبدو قديماً، و تتنصل من كل الأقنعة، تتجرد من كل الحُجُب، و تجدها هناك، في نهاية الطريق؛ (داليا) الحبيسة
بينما كانت (ميراندا) مازالت تسير بظهرها بلا ذرة من خوف، و عيناها لا تفارقان تلك العينين الداكنتين، كانت ترى فيهن الطريق، لم تكونا لتكذبا. ثم ترى فيهن ما لم تره من قبل، لا ليس طريقاً، لقد انتهت الطرق، لقد انتهى الترحال، ترى فيهن وطناً. دافئ هو ذلك الشعور الذي بعثته تلك الكلمة لما دارت بخلدها، لم يكن لها ذات الوقع سابقاً، لم تدر لها معنىً. و كأن يد ناعمة تلمست أسفل ظهرها فاحتضنتها من الخلف، فلم تعد تلق بالاً، و أسلمت ظهرها لذلك الصدر الحاني، لتلك الواحة الآمنة... الوطن

دارت حول نفسها ترمق الأفق بنظرة مسالمة حانية، و رأته للمرة الأولى أباً، لم يكن يعني لها سوى المزيد من من الغربة، و اليوم يبدو أباً حانياً يحول بينها و بين المزيد من غربة أضنتها فما تركت لها حظاً من سعادة. و بينما هي بتلك الخاطرة، إذ بيد حانية تتحسس كتفها بنعومة و رقة، فاستدارت لتجد (داليا) تحمل ابتسامة ممتنة و هي تقول" الوقت سرقنا، اتأخرت

Wednesday, June 13, 2007

الى قرائنا الاحباء

Image Hosted by ImageShack.us
الى القراء الاعزاء الاوفياء
نعتذر هذا الاسبوع عن عدم النشر و ذلك لانشغال بعض افراد فريق الكتابة بامتحانات نهاية العام
نشكر لكم تفهمكم و دعمكم الدائم
و نعود اليكم في الاسبوع المقبل
انتظرونا
Image Hosted by ImageShack.us

Monday, June 4, 2007

الحلقة التاسعة \ الموسم الثاني

كتبتها نريات


**

المشهد الاول


كان شارع كلية الهندسة يضج بالدوشة الاعتيادية للطلبة...
و من الكانتين خرجت فتاتان حاملتين كأسين من النسكافيه في اكواب كرتونية...
بسمة: انتِ كنتِ عاوزة تقوليلي ايه و سكتتي لما جت زينة
شيماء : يوه يا شيخة... هي زينة دي بيتحكي قدامها حاجة! دي لما تسمع يا دوب ديل الحدوتة بتكملها لوحدها و تلاقيها تلف و تدور بين التلامذة و تتكلم في سيرتك...
بسمة تضحك بمرارة و تصدق بايماءاتها وصف شيماء لزميلتهم الثرثارة المزعجة...
بسمة: فعلاً انا لو مكانك كمان ما كنتش تكلمت... دي احسن حاجة تعمليها معاها انك تسكتي خالص و تسيبيها هي تتكلم...
شيماء: المهم... سيبينا من زينة و حواديتها الفارغة... فاكرة رزق اللي كلمتك عنُّه؟
بسمة: ايوه ايوه... رزق بتاع النت، مش كده؟
شيماء (مبتسمة): أيييوه... هوّ بالزبط... عارفة المخيم ده بتاع التبادل الثقافي اللي هنروح معاهم الأردن؟
بسمة: آه عارفاه، ماله؟
شيماء (بسعادة): انا كنت رايحة مكتب خالي النهاردة و سابني ابص على الكشف بتاع الأسماء اللي مشاركة في المؤتمر معانا... و شفت اسم رزق!...
بسمة (بابتسامة متسعة): يعني هيروح الأردن معاكو!...
شيماء تضحك و تكمل: يا شيخة ده انت عبقرينو! ما انا قلتلك اسمه معانا... يعني ان شاء الله هييجي...
بسمة: قصدك اختاروه ييجي... لو هوّ عايز... جايز يحصلّه ظروف ولّا حاجة تمنعه...
شيماء تعبس و تنظر الى بسمة: يا ساتر يا شيخة! ايه الأفكار دي! ده انا كنت مبسوطة علشان لقيت اسمُه!
بسمة تضحك و تقول: يعني لو ليكي نصيب تشوفيه هناك كلامي هيخليه ما يروحش! كبري دماغك يا بنتي!
شيماء تضرب كتف صديقتها بحركة مرحة و هي تضحك: امشي امشي من هنا... اصلك لو اتأخرتِ عمحاضرتك انا اللي هروح للدكتور و افتن عليكي...
بسمة تضحك و تمسك صديقتها من ذراعها و تسحبها: لا يا شيخة! لسه فاضل ساعة و ربع للمحاضرة! بصّي!
و ترفع ساعة يدها في وجه شيماء...و تمضي الفتاتان و هما تتبادلان الأحاديث المرحة و تتضاحكان...
* * * * *
المشهد الثاني
داليا تجلس لوحدها قرب برج الساعة في الجامعة الأردنية... أشعة الشمس غدت لطيفة بعد أن مالت عن وسط السماء و بدأت تقترب من الغروب... و نسيم بداية الصيف المنعش يداعب الوجوه و ينشر بين الجميع شعوراً بالتفاؤل و الطمأنينة...لم تعتد داليا أن تستمتع بجلوسها وحيدة... و لكنها هذه المرة كانت سعيدة جدّاً... كانت مطمئنة ان حسام في بيته قد بدأ التحضير للامتحانات...
كانت مندهشة من السعادة التي تحيط بها... هل هذا معقول؟ هل أستحق كل هذه السعادة التي تجود بها الحياة عليّ؟ في الآونة الأخيرة تحسنت علاقتها بحسام تحسناً ملحوظاً... و غدت ثقتها به كبيرة جدّاً... كانت تشعر بالأمان كلما فكرت به...لم تشعر داليا باقتراب نادين...
نادين (من على بعد عدّة خطوات): هاي داليا...داليا لا تجيب و تبدو و كأنها في عالم آخر...
نادين تقترب أكثر و تجلس: داليا! مش سامعتيني؟
داليا تنتبه فجأة عندما تحدثها نادين...
داليا: أهلاً نادين! (تضحك بخجل) آسفة و الله ما انتبهت انك هون...
نادين تبتسم و تقول: لكان يا عمّ... عقلك بمكان تاني... يللا... كمان شوي بنسير بدنا مواعيد مشان نشوفك ولّا نحكي معاكي!
داليا: الله يسامحك! ولك انتي اللي بتحكي هالحكي! انتي عارفة انك اقرب وحدة الي بين صاحباتي...
نادين: يا ستي الله يخلينا لبعض و يخليلك حسام... (تغمز صديقتها) عقبال ما نفرح فيكم...
داليا تبتسم بخجل: لسّا الطريق طويل بس ان شاء الله...نادين: يا ستّي ان شاء الله... ما قلتيلي... مرّيتي عند الدكتور مشان الورق اللي قال انّو بدو يعطينا اياه؟
داليا: لسّا... كنت عم استناكي مشان ما أروح لحالي...
نادين تنهض و تستحث داليا للنهوض: طيب لكان يللا مشان ما نضيّع وقتنا...
و لا تلاحظ الفتاتان نعيم الذي كان يجلس قريباً طوال الوقت دون ان تشعرا به... أو تلاحظا ابتسامته التي تحمل كميات مقرفة من المكر و الخبث...يحدق نعيم في الفتاتين و هما تبتعدان...
و يحدث نفسه: عقبال ما نفرح فيكم! مبسوطة يختي بدك تفرحي فيها؟ هو شو كاين حسام افندي لحتى قاتلين حالكم عليه؟ بشو حسام أحسن مني يعني؟ عشان ابوه حرامي؟و يبصق نعيم بقرف... و يقول بصوت مسموع: وينك يا ابن الـ... بلاش ما احكي... من ايمتى مفروض تشرّف؟و يتلفت حوله بنفاذ صبر... و ما هي الا ثواني حتى يلمح شخصاً قادماً من بعيد...
نعيم: هلا هلا... ولك شو هالمواعيد اللي عليك؟
يقترب الشاب الآخر و يقول اثناء اقترابه: ولك اخرس بس تشوف شو جايبلك رح تعرف انّو مستاهل تستنى... افتح البلوتوث افتح..
.و يتناول نعيم هاتفه بقلة اكتراث و يشغل خدمة البلوتوث...
الشاب: فتحته؟
نعيم: خلّصني... فتحته...
يرد الشاب الآخر و هو يرسل الصورة الأولى: معلش حبيبي... منك مقبولة.. عراصي...
...يتم الارسال...نعيم يفتح الصورة، و تتسع عيناه بدهشة ممزوجة بالفرح...
و يقول: اخص! ولك حساااام!... و الله ما انت قليل!
يضحك الشاب الآخر و يقول: خذ يا حبيبي خذ... في منها كتير...و يواصل ارسال الصور... و حين ينتهي ما في جعبته من صور، ينظر الى نعيم مستجدياً الثناء، حث انه من الفئة الأحقر من نعيم... الفئة الوحيدة التي يستطيع امثال نعيم أن يشعروا بتسلطهم معها...
نعيم ينظر اليه برضى و يقول: حبيبي... و الله لأبسطك بس استنى عليّ...و ينصرف اشاب الآخر سعيداً بما أنجز مع شخص يعتبره مثلاً أعلى له...و يبتسم نعيم لنفسه راضياً... سعيداً برائحة المشاكل التي بدأت تفوح في الأجواء... و يسير ببطء منتشياً بخيالاته حول ما يمكن أن يفعله بصور حسام مع ميراندا...
و ينظر مطوّلاً الى صور حسام و هو ممسك بكفّي ميراندا و هو يحدق فيهما بكلّ حنان...
و يهمس لنفسه: و الله اختصرت عليّ تعب كتير يا حسام!
* * * * *
المشهد الثالث
تفتح شيماء نافذة غرفتها ليدخل نسيم الليل الصيفي المنعش... تذهب الى المطبخ و تحضّر لنفسها فنجاناً من الشاي... حتّى في
ليالي الصيف الحارة لا تستطيع شيماء أن تستغني عن كوب الشاي الساخن مساءً...تضع كوب الشاي على طاولة الكمبيوتر خاصتها...
تفتح مستعرض الانترنت و تدخل الى غرفة الدردشة التي اعتادت التواجد فيها ليلاً من وقت الى آخر... ما تحبه في هذه الغرفة أنها محافظة و روادها قلّة، و معظمهم من بيئات معروفة...
لم تكن غرفة دردشة عامّة يدخلها من هبّ و دبّ...تدخل اسمها المستعار "ماشا" و تدخل الغرفة... كم تحب هذا الاسم الذي استوحته من قراءة الأدب الروسيّ... انه تحوير لاسمها "شيماء" على الطريقة الروسيّة
... ثواني معدودة و يتم الاتصال... و تظهر قائمة المتصلين على يمين الشاشة و اسمها بينها... تستعرض الاسماء و تجد الاسم الذي تبحث عنه...
و تضحك مع نفسها للاسم المستعار الذي يستخدمه (^_^)، اينما ترى هذا الشكل (^_^) تعرف انه رزق... و تفتح شاشة لتتحدث معه...
ترسل شيماء:ماشا: هاااايزززز...انها تعرفه منذ فترة من غرفة الدردشة هذه... تعرفت عليه في غرفة الدردشة... و سرعان ما ادركت كم هو معروف في الحقيقة... انه رزق، زميلها في الجامعة و لكن ليس في الكليّة... و بسبب خفّة دمه و شخصيته البسيطة و المرحة و طبعه العفويّ، كان رزق مشهوراً في الجامعة و في النادي الذي يرتاده و تقريباً في كل مكان يتواجد فيه، رغم أنه لم يكن سليل عائلة ارستقراطيّة أو مشهورة... كان انساناّ بسيطاً جدّاً و عفويّاً... كانت تعرف شكله و تعرف من هو... و كثيراً ما كانت تصادفه في الجامعة و تعرفه لكنه لم يكن يعرف شكلها... كانا صديقين لكنه كان بالكاد يعرف اسمها...
اضاءت النافذة الصغيرة باللون الاحمر اشارة الى تلقيها ارسالاً من رزق...
(^_^): اهلاً اهلاً ماشا... ازّيك؟
ماشا: الحمد لله، أنا كويّسة... انتَ ازيّك؟
(^_^)
الحمد لله... من ربنا بخير
: ...(^_^)
: ما قاتيليش، عاملة ايه الأيام دي؟
ماشا: و الله أديني بجهز للامتحانات... و بعدها هاطلع الأردن...
(^_^)
بتتكلمي جد؟ انتي رايحة الأردن برضُه؟ تقصدي المخيم بتاع الطلبة؟
ماشا: لوووول... ايوة
ماشا: ما توقعتش، مش كده؟
(^_^)
: لوول ايوه ما توقعتش...
ماشا: على فكرة انا عارفاك كويس
(^_^)
: آآآآ... تعرفيني؟ و انا ما اعرفكيش؟
ماشا: ايوه... ما تعرفنيش. اصل انا مش معروفة اوي زي ابورزق ;)
(^_^)
: ايوااا... انا ابو رزق بقى و الأجر على الله..
(^_^)
: لووول
ماشا: لوووووووول
(^_^)
: طيب دي معقولة يعني؟ انا عمري ما شفتكيش مثلاً ولّا ايه الحكاية؟
ماشا: لأ. انت شفتني بس ما خدتش بالك
...(^_^)
: ممممم... طب شفتك ايمتى؟
ماشا: انا اللي كنت واقفة مع سيف لمّا كلمته يوم الحد اللي فات
(^_^):
والله؟ انتي تعرفي سيف منين؟
ماشا: لوووووول سيف ده ابن عمي!
(^_^):
سيف ابن عمك؟ و ما اعرفكيش يا بنتي؟ ده سيف صاحبي جدّأً!
ماشا: لول
ماشا: مش مشكلة... اصلنا باين هنشوف بعض كتير... يعني، لمّا ننزل الأردن
...(^_^):
انتي بتدرسي ايه؟
ماشا: هندسة
(^_^):
طب انا باجي الهندسة عندكو كتير! خليني أشوفك لمّا أجي!
ماشا: يا سيدي ان شاء الله...
(^_^):
ما قلتيليش، عمالك تسمعي اي حاجة و انتي بتدردشي؟
ماشا: ايوه... بسمع سامي يوسف
...(^_^):
سامي يوسف؟ بتجيبي اغانيه منين؟
ماشا: يا امّا من النت، ع الوبسايت بتاعُه، يا امّا لو عندك كريديت كارد تقدر تطلبو اونلاين
...(^_^)
آه... ايوه... اونلاين... ما همّا قالولك الفلوس عندنا للركب!
ماشا: لووووووول
ماشا: يبقى شوف لحاجات اللي تقدر تنزلها من النت ببلاش
...(^_^):
ايوه ما انا نزلتها، بس انا عايز المجموعة كاملة...
ماشا: لول يبقى ما نقدرش نخدم حضرتكم... انا برضو نزلت العينات الفري... تستنى بقى لحد ما البوماته توصل مصر...
(^_^):
يا ستي
...(^_^):
قلتيلي هندسة؟ طب تشربي بيبسي دايت
ماشا:ابعتهولي عالايميل من فضلك...
ماشا: طيب يا ابورزق...انا لازم اروح دلوقتي...
(^_^):
اوكي..
خلي بالك من نفسك
...(^_^):
ربنا معاكي...
ماشا: ميرسي... ربنا معاك...
(^_^):
تصبحي على خير...
ماشا: و انت من اهله...
ماشا: باي
...(^_^):
باي...
تناولت شيماء كأسها الفارغ و ذهبت به الى المطبخ... كانت تفكر في رزق... كم هي نادرة نوعيته هذه الأيام... انه ملتزم و ذلك ظاهر في حديثه... و في نفس الوقت فهو يعيش متطلبات عصره ولا يحبس نفسه قي التاريخ كما يفعل بعض الشباب المتدينين...كانت تشعر أن الأيام ستحمل لها مزيداً من اللقاءات مع هذا الشخص الفريد
***